الإمامُ الجوادُ عليه السلام ـ لَمّا سَألَهُ عبدُ العَظيمِ الحَسَنيُّ عن ذي الكِفلِ ما اسمُهُ ؟ و هلَ كانَ مِن المُرسَلينَ ؟ ـ : بَعَثَ اللّه ُ تعالى جَلَّ ذِكرُهُ مِائةَ ألفِ نَبيٍّ و أربَعةً و عِشرينَ ألفَ نَبيٍّ ، المُرسَلونَ مِنهُم ثلاثُمِائةٍ و ثلاثَةَ عَشَرَ رجُلاً ، و إنّ ذا الكِفلِ مِنهُم صلواتُ اللّه ِ علَيهِم . و كانَ بَعدَ سُليمانَ بنِ داودَ عليه السلام ، و كانَ يَقضي بينَ النّاسِ كما كانَ يَقضي داودُ ، و لَم يَغضَبْ إلاّ للّه ِ عَزَّ و جلَّ ، و كانَ اسمُهُ عُويديا ، و هُو الّذي ذَكرَهُ اللّه ُ تعالى
جَلّت عظَمتُهُ في كِتابهِ حيثُ قالَ : «و اذْكُرْ إسْماعيلَ و اليَسَعَ و ذا الكِفْلِ و كُلٌّ مِنَ الأخْيارِ» .
قال الشيخ أمين الدين الطبرسيّ : أمّا ذو الكفل فاختُلف فيه ، فقيل : إنّه كان رجلاً صالحا و لم يكن نبيّا ، و لكنّه تكفّل لنبيّ صوم النهار و قيام الليل و أن لا يغضب و يعمل بالحقّ ، فوفى بذلك فشكر اللّه ذلك له ، عن أبي موسى الأشعريّ و قتادة و مجاهد . و قيل : هو نبيّ اسمه ذو الكفل ، عن الحسن ، قال : و لم يقصّ اللّه خبره مفصّلاً . و قيل : هو إلياس ، عن ابن عبّاس . و قيل : كان نبيّا و سمّي ذا الكفل بمعنى أنّه ذو الضِّعف ، فله ضِعف ثواب غيره ممّن هو في زمانه لشرف عمله ، عن الجبّائيّ . و قيل : هو اليَسَع بن خطوب الذي كان مع إلياس ، و ليس اليسع الذي ذكره اللّه في القرآن ، تكفّل لملك جبّار إن هو تاب دخل الجنّة ، و دفع إليه كتابا بذلك ، فتاب الملك و كان اسمه كنعان ، فسمّي ذا الكفل ، و الكفل في اللغة : الخطّ .
و في كتاب النبوّة بالإسناد عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ و ذكر نحوا ممّا مرّ . انتهى
و قال البيضاويّ : «و ذا الكفل» يعني إلياس ، و قيل : يُوشَع ، و قيل : زكريّا
قال المجلسيّ قدس سره بعد نقل ما ذكر : «أقول : و قال بعض المؤرّخين : إنّه بشر بن أيّوب الصابر ، و ذهب أكثرهم إلى أنّه كان وصيّ اليَسَع . و قد مرّ في الباب الأوّل أنّه يوشع ، و قد مرّ منّا فيه كلام ، و إنّما أوردناه في تلك المرتبة تبعا لأكثر المؤرّخين ، و إن كان يظهر من الخبر أنّه كان بعد سليمان عليه السلام . و ذكر المسعوديّ أنّ حِزقيل و إلياس و ذا الكِفل و أيّوب كانوا بعد سليمان عليه السلام و قبل المسيح عليه السلام
و قال الثعلبيّ في كتاب العرائس : و قال بعضهم : ذو الكفل بشر بن أيّوب الصابر ، بعثه اللّه بعد أبيه رسولاً إلى أرض الروم ، فآمنوا به و صدّقوه و اتّبعوه ، ثمّ إنّ اللّه تعالى أمره بالجهاد فكاعوا عن ذلك و ضعُفوا ، و قالوا : يا بشر ، إنّا قوم نحبّ الحياة و نكره الموت ، و مع ذلك نكره أن
نعصي اللّه و رسوله ، فإن سألت اللّه تعالى أن يطيل أعمارنا و لا يميتنا إلاّ إذا شئنا لنعبده و نجاهد أعداءه ! فقال لهم بشر بن أيّوب : لقد سألتموني عظيما و كلّفتموني شططا
ثمّ إنّه قام و صلّى و دعا و قال : إلهي أمرتني أن نجاهد .أعداءك ، و أنت تعلم أنّي لا أملك إلاّ نفسي ، و إنّ قومي قد سألوني ما أنت أعلم به منّي ، فلا تأخذني .بجريرة غيري ، فإنّي أعوذ برضاك من سخطك ، و بعفوك من عقوبتك . قال : و أوحَى اللّه تعالى إليه : يا بشر ، إنّي سمعت مقالة قومك ، و إنّي قد أعطيتهم ما سألوني ، فطوّلت أعمارهم فلا يموتون إلاّ إذا شاؤوا ، فكن كفيلاً لهم منّي بذلك ، فبلّغهم بشر رسالة اللّه فسمّي ذا الكفل
ثمّ إنّهم توالدوا و كثروا و نمَوا حتّى ضاقت بهم بلادهم ، و تنغّصت عليهم معيشتهم ، و تأذّوا بكثرتهم ، فسألوا بشرا
أن يدعو اللّه تعالى أن يردّهم إلى آجالهم ، فأوحَى اللّه تعالى إلى بشر : أ مَا عَلِم قومك أنّ اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم ؟ ! ثمّ ردّهم إلى أعمارهم فماتوا بآجالهم ، قال : فلذلك كثرت الروم حتّى يقال : إنّ الدنيا خمسة أسداسها الروم ، و سمّوا روما لأنّهم نسبوا إلى جدّهم روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام . قال وهب : و كان بشر بن أيّوب مقيما بالشام عمره حتّى مات ، و كان عمره خمسا و تسعين سنة .
و قال السيّد ابن طاووس في سعد السعود : قيل : إنّه تكفّل للّه تعالى جلّ جلاله أن لا يغضبه قومه ، فسمّي ذو الكفل . و قيل : تكفّل لنبيّ من الأنبياء أن لا يغضب فاجتهد إبليس أن يغضبه بكلّ طريق فلم يقدر ، فسمّي ذو الكفل لوفائه لنبيّ زمانه أنّه لا يغضب» .