المناقب لابن شهر آشوب :    نَظَرَ عَلِيٌّ إلَى امرَأَةٍ عَلى كَتِفِها قِربَةُ ماءٍ ، فَأَخَذَ مِنهَا القِربَةَ فَحَمَلَها إلى مَوضِعِها ، وسَأَلَها عَن حالِها ، فَقالَت : بَعثَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ صاحِبي إلى بَعضِ الثُّغورِ فَقُتِلَ ، وتَرَكَ عَلَيَّ صِبيانا يَتامى ، ولَيسَ عِندي شَيءٌ ، فَقَد ألجَأَتنِي الضَّرورَةُ إلى خِدمَةِ النّاسِ .  
 
   فَانصَرَفَ وباتَ لَيلَتَهُ قَلِقا . فَلَمّا أصبَحَ حَمَلَ زِنبيلاً فيه طَعامٌ ، فَقالَ بَعضُهُم : أعطِني أحمِلُهُ عَنكَ ، فَقالَ : مَن يَحمِلُ وِزري عَنّي يَومَ القِيامَةِ ؟! فَأَتى وقَرَعَ البابَ ، فَقالَت : مَن هذا ؟  
 
   قالَ : أنا ذلِكَ العَبدُ الَّذي حَمَلَ مَعكِ القِربَةَ ، فَافتَحي فَإِنَّ مَعي شَيئا لِلصِّبيانِ .  
 
   فَقالَت : رَضِيَ اللّه ُ عَنكَ وحَكَمَ بَيني وبينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ !  
 
   فَدَخَلَ وقالَ : إنّي أحبَبتُ اكتِسابَ الثَّوابِ ، فَاختاري بَينَ أن تَعجِنينَ     برفع المضارع «يتمُّ» على اعتبار «أنْ» مصدريّة مهملة . ـ ثمّ قال : ـ والأنسب اليوم ترك هذه اللغة لأهلها ، والاقتصار على الإعمال ؛ حرصاً على الإبانة ، وبُعداً عن الإلباس (النحو الوافي : ج 4 ص 267) .  " href="#" onclick = "return false;">

   وتَخبِزينَ ، وبَينَ أن تُعَلِّلينَ    الصِّبيانَ لأَِخبِزَ أنا .  
 
   فَقالَت : أنا بِالخَبزِ أبصَرُ وعَلَيهِ أقدَرُ ، ولكِن شَأنَكَ وَالصِّبيانَ فَعَلِّلهُم حَتّى أَفرُغَ مِنَ الخَبزِ .  
 
   فَعَمَدَت إلَى الدَّقيقِ فَعَجَنَتهُ ، وعَمَدَ عَلِيٌّ عليه السلام إلَى اللَّحمِ فَطَبَخَهُ ، وجَعَلَ يُلقِمُ الصِّبيانَ مِن اللَّحمِ وَالتَّمرِ وغَيرِهِ ، فَكُلَّما ناوَلَ الصِّبيانَ مِن ذلِكَ شَيئا قالَ لَهُ : يا بُنَيَّ ، اجعَل عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ في حِلٍّ مِمّا مَرَّ في أمرِكَ .  
 
   فَلَمَّا اختَمَرَ العَجينُ قالَت : يا عَبدَ اللّه ِ ، سَجِّرِ التَّنّورَ    . فَبادَرَ لِسَجرِهِ ، فَلَمّا أشعَلَهُ ولَفَحَ في وَجهِهِ جَعَلَ يَقولُ : ذُق يا عَلِيُّ ! هذا جَزاءُ مَن ضَيَّعَ الأَرامِلَ وَاليَتامى .  
 
   فَرَأتهُ امرَأةٌ تَعرِفُهُ ، فَقالَت : وَيحَكِ ! هذا أميرُ المُؤمِنينَ . قالَ : فَبادَرَتِ المَرأةُ وهِيَ تَقولُ : وا حَيايَ مِنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ !  
 
   فَقالَ : بَل وا حَيايَ مِنكِ يا أمَةَ اللّه ِ فيما قَصَّرتُ في أمرِكِ !